زهور الياسمين في مصر.. عبق مهدد بالذبول تحت وطأة تغيّر المناخ (صور)
زهور الياسمين في مصر.. عبق مهدد بالذبول تحت وطأة تغيّر المناخ (صور)
في قلب دلتا النيل، وتحديداً في قرية شبرا بلولة شمال مصر، اعتاد المزارعون منذ أجيال أن يقضوا ليالي الصيف بين حقول الياسمين، يقطفون الأزهار البيضاء الصغيرة التي صنعت لمصر شهرتها أنها أحد أكبر مصدّري زيوت العطور في العالم، لكن، ومع تسارع تغيّر المناخ، بدأ هذا التراث الزراعي والاقتصادي في الذبول شيئاً فشيئاً.
قال وائل السيد، (45 عاماً) الذي يعمل في قطف الياسمين منذ عقد، لوكالة “فرانس برس” اليوم الاثنين: "لم تعد الأزهار تتفتح كما في السابق.. الحرارة المرتفعة أرهقت أشجارنا وحرمتنا من عبيرها".
كان وائل يجني ستة كيلوغرامات يومياً، لكن محصوله تقلص في السنتين الأخيرتين إلى أقل من النصف، ومع شح الموارد، اضطر لإشراك زوجته وطفليه (9 و10 أعوام) في القطف ليلاً حتى الفجر.
لا يختلف عن حاله حال محمد بسيوني (56 عاماً) كثيراً؛ فبعد أن كان وأولاده الأربعة يجمعون 15 كيلوغراماً يومياً، بالكاد يصل محصولهم اليوم إلى سبعة.

من الذروة إلى التراجع الحاد
في سبعينيات القرن الماضي، كانت مصر تنتج 11 طناً من مركز الياسمين سنوياً، أي ما يقارب نصف الإنتاج العالمي. أما اليوم، فقد تراجع الإنتاج إلى 6,5 طن فقط، وفقاً لمصنع أحمد فخري وشركاه، أكبر مصنّع لزيوت الياسمين في مصر.
ويؤكد الباحث كريم الجندي من المركز الهولندي للمناخ والطاقة أن "الحرارة المرتفعة تعطل عملية الإزهار وتضعف تركيز الزيت العطري، ما يقلل من جودة المحصول".
وتشير تقارير دولية إلى أن درجات الحرارة في مصر ترتفع بمعدل 0,38 درجة مئوية كل عقد، وهو أعلى من المتوسط العالمي. هذا يعني مزيداً من الجفاف والملوحة في دلتا النيل، فضلاً على تفشي حشرات مثل سوس العنكبوت وديدان الأوراق التي تفتك بالنباتات.
يقول علي عمارة (78 عاماً) الذي قضى ستة عقود في الحقول: "كان الصيف دائماً حاراً، لكنه الآن أشد حرارة من أي وقت مضى".

عائد هزيل للمزارعين
رغم أن الكيلوغرام الواحد من زيت الياسمين يباع في الأسواق العالمية بما يقارب 6000 دولار، فإن المزارعين المصريين لا يحصلون سوى على 105 جنيهات (نحو دولارين) للكيلوغرام من الزهور الخام.
في يونيو الماضي، أضرب جامعو الزهور مطالبين برفع السعر إلى 150 جنيهاً، لكنهم لم ينالوا سوى زيادة طفيفة قدرها 10 جنيهات فقط، في ظل غياب الرقابة وضعف التدخل الحكومي.
ومع استمرار تراجع المحاصيل وتآكل دخل المزارعين، يهدد تغيّر المناخ -ليس فقط زهور الياسمين- بل مجتمعاً ريفياً بأكمله. يحذر الباحث صقر النور من أن "قرى مثل شبرا بلولة قد تفقد قدرتها على الاستمرار كلياً إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة".
وبينما تواصل العلامات التجارية العالمية الاعتماد على زيوت الياسمين المصري في عطورها الفاخرة، يبقى المزارعون البسطاء في مواجهة أزمة مزدوجة.. بيئية واقتصادية، يدفعون ثمنها وحدهم.